آخر المواضيع

samedi 5 juillet 2014

متى جمع القرآن


مقدمة المؤلف
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد فهذه جملة من الروايات الواردة في كتاب الوسائل وغيره في فضل القرآن وآدابه ذكرناها تعميما للفائدة، وقدمنا عليها بعض ما يرتبط بجمع القرآن وعدم تحريفه، وانه لم يزد كلمة ولا حرفاً، ولم ينقص منه شيء، فهو اليوم نفس القرآن الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكيفية من ترتيب السور والآيات بأمر من الله تعالى في حياته
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من حملة القرآن إنه سميع مجيب
محمد الشيرازي




ما يؤيد جمع الرسول للقرآن

ويؤيده ما روي في تفسير علي بن إبراهيم1، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه أمر علياً (عليه السلام) بجمع القرآن، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة"، فانطلق علي (عليه السلام)، فجمعه في ثوب أصفر، ثم ختم عليه2.
وهذه الرواية تدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بجمع القرآن، وعلي (عليه السلام) هو الذي جمعه بأمر مباشر من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يستفاد من ظاهر الرواية.
وعلى ذلك اتفقت كلمة جمهور فقهاء الشيعة، ففي مجمع البيان نقلاً عن السيد المرتضى قدس سره انه قال: "إن القرآن جمع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم بالشكل الذي هو اليوم بأيدينا،" قال وذكر أيضاً رضوان الله عليه - إشارة للسيد المرتضى قدس سره : "إن القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن." واستدل على ذلك إن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتلى عليه، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث3.
وقال بمقالته قبله الشيخ الصدوق والشيخ المفيد قدس سرهما وغيرهما من كبار علماء الشيعة، وقال بمقالته بعده شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره والمفسر الكبير الشيخ الطبري قدس سره المتوفى سنة 548 هـ وباقي علماءنا الأبرار إلى يومنا هذا.
وعن زيد بن ثابت انه قال: "كنا نجمع القطع المتفرقة من آيات القرآن، ونجعلها بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكانها المناسب، ولكن مع ذلك كانت الآيات متفرقة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام أن يجمعها في مكان واحد وحذرنا من تضييعها."
وعن الشعبي انه قال: "جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل ستة نفر من الأنصار. وفي الصراط المستقيم قال أنس: جمع القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد4."
وعن قتادة انه قال: "سألت أنساً عن انه من جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أربعة نفر من الأنصار ثم ذكر أسماءهم."
وروي عن أنس أيضا قال: "مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد5"
وعن علي بن رباح إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) جمع القرآن هو وأبيّ بن كعب في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

حديث ابن عباس في ترتيب القرآن

في المناقب عن ابن عباس انه قال: لما نزل قوله تعالى انك ميت وانهم ميتون1، قال (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم): "ليتني أعلم متى يكون ذلك" - هذا وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الغيب بإذنه تعالى ووحيه - فنزلت سورة النصر، فكان بعد نزولها يسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين التكبير والقراءة، ثم يقول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه،" فقيل له في ذلك، فقال: "أما أن نفسي نعيت إلي، ثم بكى بكاءً شديداً،" فقيل: يا رسول الله أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "فأين هول المطلع؟ وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد؟ وأين القيامة والأهوال؟" أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإلماع إلى الأهوال لا انه (صلى الله عليه وآله وسلم) يبتلى بها كما هو واضح، ثم قال: فعاش (صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه السورة عاماً2.
ثم نزلت آيات وآيات، حتى إذا لم يبق على ارتحال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الدنيا سوى سبعة أيام، فنزلت: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون))3، فكانت هذه الآية على بعض الروايات هي آخر آية من القرآن الكريم نزل بها جبرائيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله )، وقال له: "ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة4."
كما ان أول آية من القرآن كان قد نزل بها جبرائيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي قوله تعالى: ((بَسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ))5 - الآيات. فأول آية من القرآن ابتدأ بأول يوم من البعثة النبوية الشريفة، وآخر آية من آيات القرآن اختتم في الأيام الأخيرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما بينهما من فترة كان نزول ما بين هاتين الآيتين وتلك الفترة استغرقت مدة ثلاث وعشرين سنة، وهنا ما يلفت النظر ويجلب الانتباه وهو قول جبرائيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نزوله بالآية الأخيرة - كما في الرواية "ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة" - فإنه صريح في أن الله تعالى أمر نبيه بجمع القرآن، وبترتيبه ترتيباً دقيقاً حتى في مثل ترقيم الآيات، وقد فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أمره الله تعالى، ولم يكن (صلى الله عليه وآله وسلم) ليترك القرآن متفرقاً حتى يجمع من بعده.
وهل يمكن للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كبير اهتمامه وكثير حرصه على حفظ القرآن الكريم أن لا يقوم بجمع القرآن وترتيبه، وأن يتركه مبعثراً في أيدي المسلمين، ويوكل جمعه إليهم، مع أن الوحي أخبره بقوله انك ميت وانهم ميتون6؟
فهل يصح أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) حريصاً على القرآن من جهة حتى انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بحفظ القرآن، والاهتمام به، والتحريض على تلاوته، والعمل به وخاصة في أيامه الأخيرة ، حيث كان يقول مراراً وبألفاظ مختلفة متقاربة: "إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"7، وأن لا يجمع القرآن ويتركه مبعثراً من جهة أخرى؟ بل أليس القرآن هو دستور الإسلام الخالد ومعجزته الباقية على مر القرون والأعصار إلى يوم القيامة؟ ومعه هل يعقل أن يتركه (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) مبعثراً من دون أن يجمعه؟
أم كيف يأذن الله تعالى لنبيه بأن لا يقوم بجمعه؟ مع انه تعالى يقول: (( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه وَقُرْآنَه))8، ويقول سبحانه أيضاً: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون))9، فعلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إبلاغ القرآن مجموعاً ومرتباً إلى الناس كافة كما جمعه الله تعالى ورتبه.
إذن فهذا القرآن الذي هو بأيدينا على ترتيبه وجمعه وترقيم آياته وترتيب سوره وأجزائه هو بعينه القرآن الذي رتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجمعه للمسلمين في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بأمر من الله تعالى، لم يطرأ عليه أي تغيير وتحريف أو تبديل وتعديل أو زيادة ونقصان.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة