آخر المواضيع

samedi 5 juillet 2014

نظرة القرآن عن القلب وتعريفه

أظن أنه لا داعي للتوضيح، بأن الغرض من القلب في اصطلاح العرفاء والأدباء ليس ذلك العضو اللحمي الموجود في الجانب الأيسر من البدن، ويجري الدم كالمضخة في العروق، فمثلا في تعبير القرآن: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ...)) (ق / 37)، أو في التعبير العرفاني اللطيف لحافظ (الشاعر):
"لقد نفر قلبي، وغافل أنا المسكين، ماذا قد حتى بهذا الصيد التائه الحيوان."
واضح أن المقصود من القلب (في هذين المثالين)، حقيقة سامية ممتازة، تختلف تماما عن هذا العضو الموجود في البدن، وهكذا عندما يذكر القرآن مرضى القلوب: ((فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا)) (البقرة / 10)، فإن معالجة هذا المرض، خارجة عن طاقة طبيب أمراض القلب، وإذا وجد طبيب يتمكن من معالجة هذه الأمراض، فلا شك أنه طبيب متخصص في الأمراض الروحية.
إذن ما هو المقصود من القلب؟ للإجابة على هذا السؤال يجب البحث في حقيقة وجود الإنسان. فالإنسان في الوقت الذي هو موجود واحد، إلا أن له مئات بل وآلاف الأبعاد الوجودية. "أنا" الإنسانية عبارة عن مجموعة كبيرة من الأفكار، والآمال، والخوف، والحب، و... وأنها بمثابة الأنهار والجداول، التي تتجمع في مركز واحد، وأن هذا المركز بنفسه بحر عميق، بحيث ما استطاع - إلى الآن - أي إنسان أن يدعي أنه اطلع على أعماق هذا البحر.
فالفلاسفة والعرفاء وعلماء النفس، ساهم كل إلى حد ما في السباحة في أغوار هذا البحر، ووفق كل منهم إلى كشف بعض أسراره، ولربما كان العرفاء أكثر حظا من الآخرين في هذا المجال.
وما يسميه القرآن بالقلب، عبارة عن حقيقة هذا البحر، وإن ما نسميه بالروح الظاهرية، عبارة عن الأنهار والجداول التي تتصل بهذا البحر. وحتى العقل بنفسه أحد هذه الأنهار التي تتصل بهذا البحر.
عندما يذكر القرآن الوحي، لم يقل شيئا عن العقل، بل أن علاقته ترتبط مع قلب الرسول (ص)، ومعنى هذا الكلام أن القرآن، لم يرد على الرسول بقوة العقل وبالاستدلال العقلي، بل، كان هذا قلب الرسول (ص)، حيث ارتقى إلى حالة لا يمكن لنا تصورها، وفي تلك الحالة حصل على قابلية أدراك ومشاهدة تلك الحقائق المتعالية، وها هي آيات سورة النجم وسورة التكوير توضح كيفية هذا الارتباط إلى حد ما، نقرأ في سورة النجم: ((وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأي)) : يقول القرآن ذلك، ليبين أن مستوى هذه المسائل فوق حيز عمل العقل الحديث هنا عن المشاهدة والاعتلاء. ونقرأ في سورة التكوير: ((أنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم بمجنون، ولقد رآه بالأفق المبين، وما هو على الغيب بضنين، وما هو بقول شيطان رجيم، فأين تذهبون، أن هو إلا ذكر للعالمين)).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة